في السنوات الأخيرة، انتشرت أنظمة الصيام المختلفة، بدءاً من الصيام المتقطع بأنواعه المتعددة، وصولاً إلى ما يعرف بـ “الصيام الجاف”، حيث يمتنع الشخص عن تناول الطعام والشراب تماماً لفترة معينة. يتساءل الكثيرون: هل هناك فروق حقيقية بين هذين النهجين؟ وما الفوائد أو الأضرار التي قد تنجم عن كل منهما؟ هذا المقال يستعرض التعريف العلمي للصيام الجاف والصيام المتقطع، ويقارن بينهما من ناحية الفوائد الصحية والأدلة العلمية والمخاطر، مع تقديم نصائح حول كيفية الصيام بأمان.
الصيام المتقطع
الصيام المتقطع (Intermittent Fasting) هو نمط غذائي يقتصر فيه تناول الطعام على فترات زمنية محددة، تليها فترة صيام يمكن أن تتراوح بين ساعات وأيام. هناك أنواع عدة من الصيام المتقطع:
- تقييد الوقت اليومي (Time-Restricted Eating – TRE): تناول الطعام ضمن نافذة زمنية يومية محددة (مثلاً 8 ساعات)، والصوم لبقية اليوم.
- الصيام بالتناوب (Alternate Day Fasting – ADF): صيام يوم كامل يتبع يوم تناول الطعام بحرية.
- حمية 5:2: تناول كمية محدودة من السعرات في يومين غير متتاليين في الأسبوع (حوالي 500–600 سعرة)، والأكل بشكل عادي في الأيام الخمسة الأخرى.
الصيام المتقطع يسمح بشرب الماء والشاي والقهوة والمشروبات الخالية من السعرات أثناء الصيام، مما يساعد على الحفاظ على الترطيب.
الصيام الجاف
الصيام الجاف (Dry Fasting) هو الامتناع عن تناول الطعام والشراب تماماً، بما في ذلك الماء، لفترة محددة. يطبق بعض الناس الصيام الجاف لأسباب دينية (مثل صيام رمضان عند المسلمين من الفجر إلى الغروب) أو لأسباب صحية يروج لها البعض. الصيام الجاف يعتبر أكثر صرامة من الصيام المتقطع لأنه يحرم الجسم من السوائل الضرورية للعديد من العمليات الحيوية.
الأدلة العلمية على الصيام المتقطع
الفوائد الصحية المثبتة
يُعد الصيام المتقطع من أكثر الأنظمة الغذائية التي خضعت للدراسة في السنوات الأخيرة. تشير الأدلة إلى فوائده في خسارة الوزن وتحسين المؤشرات الصحية:
- التحكم في الوزن: في مقابلة مع باحثة الصيام المتقطع كورتني بيترسن في جامعة هارفارد، ذُكر أن الصيام المتقطع يساعد الناس على تناول سعرات أقل بحوالي 250 سعرة يومياً، وهو ما يعادل خسارة نصف كيلوغرام أسبوعياً. كما لاحظت دراسات أن الأشخاص الذين يمارسون الصيام المتقطع يشعرون بجوع أقل في المساء، ما يساعدهم على الحد من تناول الطعام.
- تحسين ضغط الدم والسكر: الدراسات تشير إلى انخفاض ملحوظ في ضغط الدم الانبساطي ومستويات السكر في الدم لدى من يتبعون الصيام المتقطع.
- تقليل الجذور الحرة والإجهاد التأكسدي: الصيام المتقطع يقلل من الإجهاد التأكسدي، مما يساهم في حماية الخلايا وتقليل مخاطر الأمراض المزمنة.
- تقليل الوزن والدهون: في تحليل تجميعي لـ15 تجربة عشوائية شملت 758 شخصاً يعانون من زيادة الوزن، وجد أن الصيام المتقطع أدى إلى خفض وزن الجسم بمقدار 3.73 كغ في المتوسط، وخفض مؤشر كتلة الجسم بمقدار 1.04 كغ/م². كما حسّن الصيام المتقطع من مستويات الكوليسترول الكلي والـLDL، مع انخفاض قدره 6.31 ملغ/ديسيلتر للكوليسترول الكلي و5.44 ملغ/ديسيلتر للكوليسترول الضار. ومع ذلك، قد يؤدي الصيام المتقطع قصير الأمد إلى زيادة مؤقتة في الدهون الثلاثية، بينما تُظهر البرامج طويلة الأمد (>12 أسبوعاً) تحسينات أكبر في الدهون الثلاثية.
- تنظيم الهرمونات: الصيام المتقطع يساعد على خفض هرمون الغريلين (هرمون الجوع) وتحسين مستويات اللبتين (هرمون الشبع)، مما يسهل السيطرة على الشهية.
آليات الصيام المتقطع
الصيام المتقطع يقلل من تناول السعرات بشكل طبيعي من خلال تحديد وقت الأكل. كما يُحدث تغيرات في الأيض؛ حين ينفد مخزون الغلوكوز، يبدأ الجسم في استخدام الدهون كمصدر للطاقة، مما يؤدي إلى إنتاج أجسام كيتونية مفيدة لدماغك وأعضائك. بالإضافة إلى ذلك، الصيام يفعّل عمليات إصلاح الخلايا مثل الالتهام الذاتي (autophagy) التي تخلص الجسم من الخلايا التالفة وتساهم في مكافحة الشيخوخة.
المخاطر والاحتياطات
رغم فوائده، ليس الصيام المتقطع مناسباً للجميع. الأشخاص المصابون بالسكري أو من يتناولون أدوية يجب أن يستشيروا أطباءهم لأن الصيام قد يسبب انخفاضاً في السكر. يُمنع الصيام المتقطع للنساء الحوامل والمرضعات، وللأطفال والمراهقين، ولمن لديهم تاريخ مع اضطرابات الأكل.
الأدلة العلمية على الصيام الجاف
الصيام الجاف أقل دراسة من الصيام المتقطع. معظم الدراسات حول الصيام الجاف جاءت في سياق الصيام الديني، مثل صيام رمضان الذي يمتنع فيه المسلمون عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس. لذلك، يجب التمييز بين الصيام الجاف قصير المدى (يومي لمدة ساعات) كما في العبادات وبين الصيام الجاف المطول الذي يروّج له بعض مدربي اللياقة أو برامج التطهير.
الصيام الجاف في السياق الديني
أظهرت دراسة أجريت على 13 مشاركاً يعانون من زيادة الوزن مارسوا صياماً جافاً من الفجر حتى غروب الشمس لمدة 30 يوماً (صيام النهار فقط) انخفاضاً في بعض مؤشرات الالتهاب. فقد لوحظ انخفاض في مستويات السيتوكينات الالتهابية مثل IL-1β وIL‑15 وIL-1ra ضمن الأسبوع الرابع وخلال أسبوعين بعد انتهاء الصيام. هذه السيتوكينات مرتبطة بالتهاب السمنة ومقاومة الأنسولين، وتشير النتائج إلى أن صيام النهار يمكن أن يساهم في تقليل الالتهاب المزمن.
لكن يجب الإشارة إلى أن هذه الدراسة أجريت على صيام نهاري يشبه صيام رمضان، حيث يمتنع المشاركون عن الطعام والشراب أثناء النهار لكنهم يتناولون الطعام والسوائل في الليل. هذا يختلف عن الصيام الجاف المتواصل عدة أيام دون تناول سوائل نهائياً.
الصيام الجاف المطول والمخاطر الصحية
في مقال لعيادة كليفلاند، حذرت أخصائية التغذية جوليا زمبانو من الصيام الجاف، مشيرة إلى أنه لا توجد بيانات كافية لدعم فوائده وأنه يمكن أن يسبب الجفاف ومشاكل أخرى. أوضحت أن بعض المؤيدين يدّعون أن الصيام الجاف يعزز خسارة الوزن ويقوي المناعة، لكن هذه الادعاءات غير مثبتة علمياً. على النقيض، قد يؤدي الصيام الجاف إلى مشاكل مثل التعب، والصداع، وقلة التركيز، والإمساك، وربما مشاكل في الكلى والرئتين.
الوزن المفقود أثناء الصيام الجاف يكون غالباً نتيجة فقدان السوائل وليس الدهون؛ فعند قطع الماء يفقد الجسم جزءاً من سوائله، ما يؤدي إلى انخفاض الوزن سريعاً ثم عودته بمجرد إعادة الترطيب. ولذلك ترى خبيرة التغذية أن أي فوائد محتملة يمكن تحقيقها بطرق أكثر أماناً مثل الصيام المتقطع أو الصيام مع شرب الماء.
آليات الصيام الجاف
يدعي البعض أن الصيام الجاف يزيد من عملية الكيتوسيس (تحويل الدهون إلى كيتونات) أسرع من الصيام العادي بسبب نقص الماء. يعتقدون أن الجسم يحول الدهون إلى ماء متبلور في الخلايا ليعوض العطش. لكن هذه الآلية غير مدعومة بأدلة علمية قوية. أغلب الدراسات تركز على أن الحرمان من الماء يعرّض الجسم لحالة جفاف قد تؤدي إلى اختلالات في الأملاح والبنية الخلوية، خصوصاً الكلى التي تتطلب الماء لتصفية الفضلات. لذلك، إذا كان الهدف هو الاستفادة من الصيام، فإن الصيام المتقطع مع الترطيب يقدم خياراً آمنًا وأكثر دراسة.
مقارنة بين الصيام الجاف والصيام المتقطع
| الموضوع | الصيام الجاف | الصيام المتقطع |
|---|---|---|
| السوائل | لا يسمح بشرب الماء أو السوائل، مما يزيد مخاطر الجفاف وتغيرات في ضغط الدم والكلى | يسمح بشرب الماء والمشروبات الخالية من السعرات (شاي، قهوة)، مما يحافظ على الترطيب ويقلل المخاطر |
| الأدلة العلمية | محدودة، معظمها في سياق الصيام الديني (رمضان) مع وجود فترة ترطيب ليلية؛ لا توجد دراسات طويلة عن فوائد صحية للصيام الجاف المطول | توجد العديد من الدراسات والبحوث بما في ذلك التجارب العشوائية والتحليلات التجميلية التي تظهر فوائد في خسارة الوزن وتحسين المؤشرات الأيضية |
| الفوائد المحتملة | انخفاض بعض مؤشرات الالتهاب في سياق صيام رمضان، لكن دون تأكيد على الوزن أو الصحة العامة | خسارة الوزن، تحسين سكر الدم، ضغط الدم، خفض مستويات الكوليسترول، تقليل الجذور الحرة، تحسين علامات الشيخوخة |
| المخاطر | جفاف، إرهاق، صداع، إمساك، مشاكل في الكلى، خسارة سوائل وليس دهون | قد يسبب العطش أو انخفاض سكر الدم عند البعض؛ يجب الحذر لدى مرضى السكري أو السيدات الحوامل أو الذين يعانون من اضطرابات الأكل |
| النصح العام | غير موصى به لأغراض فقدان الوزن أو تحسين الصحة دون استشارة طبية؛ يمكن اتباعه ضمن صيام ديني بشرط الترطيب خارج ساعات الصوم | يمكن اتباعه كنمط غذائي صحي إذا تم التخطيط له بشكل صحيح وتجنب الإفراط، مع مراعاة الفئات الخاصة والتشاور مع متخصص |
نصائح لمن يرغب في الصوم
إذا قررت تجربة الصيام، اتبع النصائح التالية للحفاظ على السلامة وتحقيق الفائدة:
- استشر طبيبك أو اختصاصي تغذية: خاصة إذا كنت تعاني من مرض مزمن مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو تتناول أدوية، فقد تحتاج إلى تعديل الجرعات أو مراقبة الحالة الصحية.
- ابدأ تدريجياً: لا تحاول الصيام فترات طويلة من البداية. يمكنك البدء بتناول الطعام في نافذة زمنية 12 ساعة، ثم تقليلها تدريجياً إلى 8 ساعات.
- حافظ على الترطيب: حتى أثناء الصيام المتقطع، احرص على شرب الماء والسوائل غير المحلاة بين الوجبات. الجفاف يسبب الإرهاق والصداع ويقلل من معدل الأيض.
- اختر طعامك بحكمة: عندما تأكل، اختر الأطعمة الغنية بالبروتين والألياف والدهون الصحية لزيادة الشبع وتقليل الرغبة في الأكل خلال فترة الصيام.
- تجنب السكر والدهون المشبعة: تناول أطعمة عالية بالسكر أو الدهون غير الصحية خلال نافذة الطعام سيقلل من فوائد الصيام ويزيد من احتمالية استعادة الوزن.
- راقب جسمك: إذا شعرت بدوار شديد أو ضعف أو أعراض غير طبيعية، توقف عن الصيام وتواصل مع طبيبك.
- احترم احتياجات جسمك: النساء الحوامل أو المرضعات والأطفال والأشخاص تحت وزن صحي لا يجب أن يصوموا بطرق شديدة. كذلك يجب تجنب الصيام في حال وجود تاريخ لاضطرابات الأكل.
نقاط مهمة في الصيام الديني
الصيام الديني مثل صيام رمضان أو صيام يوم الغفران (Yom Kippur) يختلف عن الصيام الجاف المطول المقترح لأغراض الصحة. في الصيام الديني، يمتنع الشخص عن الطعام والشراب خلال ساعات النهار لكنه يأكل ويشرب بين الغروب والفجر، وبالتالي يحصل على الترطيب والغذاء كل يوم. تظهر الدراسات أن هذا النوع من الصيام لا يسبب ضررًا صحيًا كبيرًا عند الأشخاص الأصحاء، بل قد يُظهر فوائد مثل خفض بعض علامات الالتهاب كما ذكرنا، شرط الالتزام بتناول وجبات متوازنة وتعويض السوائل ليلًا. لذلك، عدم الخلط بين الصيام الديني والصيام الجاف المطول أمر مهم.
خاتمة
الصيام المتقطع والصيام الجاف نمطان مختلفان من الصيام، ولهما تأثيرات مختلفة على الجسم. الصيام المتقطع مدعوم بعدة دراسات علمية تظهر أنه يساعد في فقدان الوزن وتحسين ضغط الدم وسكر الدم وتقليل الالتهاب. أما الصيام الجاف، فهو يعتمد على منع تناول الماء بالإضافة إلى الطعام، وقد وُجد أنه يسبب مخاطر مثل الجفاف والصداع ومشاكل الكلى، ولا توجد أدلة قوية تثبت فوائده للصحة العامة. بعض الدراسات على صيام النهار لأسباب دينية أوضحَت انخفاضًا في بعض السيتوكينات الالتهابية، لكن هذه النتائج لا تبرر اتباع الصيام الجاف المطول لأغراض فقدان الوزن.
لمن يرغب في الصيام من أجل الصحة أو الوزن، يعتبر الصيام المتقطع خياراً أكثر أماناً وفاعلية، بشرط التخطيط له جيداً والحفاظ على الترطيب، وتناول الطعام الصحي في أوقات الإفطار. أما الصيام الجاف، فيجب تجنبه إلا في سياق ديني أو طبي وتحت إشراف متخصص، لأن مخاطر الجفاف وفقدان السوائل تفوق أي فوائد محتملة. الصحة تتطلب توازناً ومعرفة علمية، وفهم الفرق بين أنواع الصيام يساعد الأفراد على اتخاذ قرار واعٍ يناسب احتياجاتهم وأهدافهم.
اقرأ أيضاً:


